الشهادة شرفٌ لا يستحقه إلا القديسون !
شهداءُ الضاحيةِ، شهداء لبنان – نموذجاً - قرابين جديدة، قدَّست أرض الوطن، وأفتدت كلَّ أللبنانيين . شهادتهم حياة لنا، ودماؤهم ترياق المواطنية. مواطنية أقعدتها الاحقاد، وأثقلتها الشرور وأثخنتها المفاسد.
الشهادة بنت مقدَّسيْن، الله والوطن، ونحن نلتقي حولهما، فعلامَ التباعدُ والتفكك و التناحر؟
فهل كُتِبَ على اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أن يقدِّموا أبناءهم ذبائح تتلذَّذ بها وحوش هذا العالم، وهل هم بحاجة الى كلِّ هذه القرابين، ليعرفوا أنهم أبناء رحم واحد، ليشدوا أواصر الالفة بينهم، و يعيدوا الى المواطنية نبْضَها ؟!
هل نحن بحاجة دائماً، الى شهداء قديسين يجمعون بين إخوةٍ فرَّقهم الجهل، وباعد بينهم زعماء يتقنون سياسة " فرِّق تسد "، ويبنون سعادتهم على شقاء شعوبهم، ويبرعون في نشر ثقافة المفاسد ، فأعمتنا الغرائز ، وضللنا الطريق، ولم نعد نميِّز بين مواطن من لحمنا ودمنا، وبين عدو يتلذَّذُ بافتراسنا جميعاً !
أمام هول ما حصل وسيحصل ،لا أخال لبنانياً سوياً، يفرح لذبح أطفال و نساء وشباب وكهول، دمهم دمٌ لبناني، أو أنه لا يبكي مفجوعاً، خاشعاً أمام قداسة الشهداء الذين إنتقلوا من بيننا، كما لا أخال إنساناً واحداً، لا يستشعر ألماً أمام هول ما أنتجته عقول الاجرام، وكأننا أمام سوريالية سقوط جديد للانسان، أشد فظاعة وهولاً من سقوطه الاول.
الدماء الطاهرة التي روت تربة برج البراجنة، بالامس القريب وقدستها، هي دماء كل لبناني، و تربتها تربة كلِّ الوطن . والشهيد أياً كان إسمه، أو دينه، أو عقيدته، هو شهيد كل عائلة، أو دين، أو مذهب!
الوطن، ليس أرضاً وحسب ، انه وجدان شعب، و ثاني مقدساته، ونحن اللبنانيين نتغنَّى به، ونغنِّيه صبح مساء؛ ألا يكفي الوطن وحده ليكون الرابط الجامع بين كلِّ أبنائه، والمفارقة، أننا على بعد أيام من ذكرى الاستقلال؟
نعم إنها ذكرى حزينة، وان شئنا جعلناها عيداً سعيداً ، بعد أن خُدِعْنَا وخَدَعْنَا أنفسنا وأجيالنا طويلاً، فاستقلالنا إفتراضي هو، لم ينجز بعد ، وقد لا ينجز أبداً، إن ظلت القوى الظلامية تستوطن الارض، والعقول، والنفوس، ستبقى قوافل الشهداء تلاقي بعضها بعضاً، من أجل وطن قبلة الاوطان هو، لكننا سقطنا، ولم نحسن صونه والمحافظة عليه، بعد أن ضللنا الطريق.
الى متى نستمر في إنتحارنا الجماعي، نرفد نهر الدماء المقدسة المتدفق فوق أرض لبنان، التي تكفي وحدها لتحرير الشعوب المظلومٍة، والمقهورة، والجائعة. ما بالنا نحن اللبنانيين ، نعلّمُ العالمَ، ونحن لا نتعلم حتى من تجاربنا، وأخطائنا وما أكثرها ؟
فهلْ قدَرُ اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أن تجمعهم المصائب، وتوحدهم الشهادة، بعد أن باعدت بينهم عقول مريضة مستوردة، ونفوس مسكونة بالابلسة ؟
أمَّا الاجرام المتنقل فلا تتحمل تبعاته الوحوش المفترسة، بل أولئك الذين إستنسخوا هذه الوحوش، أعدوها، وبرمجوها لافتراس الابرياء، خدمة لمملكة الشيطان وزبانيته . أمَّا المسؤول الاكبر والاخطر على الوطن، هو ذاك اللبناني، الذي وفَّر لهؤلاء الارهابيين ولمشغليهم بيئة آمنة وحاضنة لهم.
أمام كلِّ حدثٍ جللٍ، كالذي أصاب أهلنا في برج البراجنة، نسارع ويسابقنا المسؤولون الى تقديم التعازي، و لحجز مساحة إعلامية يطلقون فيها العنان لحناجرهم، ثم يعلنون الحداد الرسمي ، مصحوباً أحياناً باقفال المؤسسات على إختلافها، لتسدل الستارة ، وتطوى صفحة حالكة من تاريخنا، والى مآسٍ جديدة، فهلاَّ تعلمنا !؟
حنا الحاج