عيسى بو عيسى -
من جديد تعود بلدة عرسال الى واجهة الاحداث اللبنانية وهي في الاساس مخطوفة من الدولة اللبنانية منذ سنوات تتحكم بها الجماعات الارهابية المتحاربة فيما بينها ويدفع الاهالي الاثمان الباهظة من ارواحهم وممتلكاتهم، وهذه العودة الجديدة للبلدة على خلفية التفجير الاخير والاعتداء على دورية للجيش اللبناني الذي يحاول منذ البدء التعامل مع مسألة عرسال بالكثير من الحكمة والتروي ولكن مع الحزم في قضايا الارهاب، فهي كما ترى اوساط بقاعية على تماس معها تدفع خطرين اساسيين:
1- عدم امكانية مقاومة معظم اهلها للارهابيين من «داعش» و«النصرة» بفعل وضع اليد على شوارعها وطرقاتها بالقتل والتفجير.
2- تعاون البعض من ابناء البلدة مع هؤلاء وتعاطفهم مع الفكر الذي تحمله بعض الجماعات الارهابية، وهذا بحد ذاته السبب الرئيسي لمصادرة البلدة ووضعها خارج الاراضي والسلطة اللبنانية.
وتذكر هذه الاوساط ان لا حل في الافق لأزمة البلدة التي ارتبط وضعها حكماً بالازمة السورية المتمادية ولكن اهمية هذا الربط ان عرسال بلدة لبنانية تتحكم بها جماعات سورية ومن جنسيات عربية متنوعة، أما الأخطر في هذا الموضوع انها تتمايل مع صغرها في مقابل الازمة الكبرى في سوريا مع الخطوط الدولية التي تتحكم بالحل في بلاد الشام وبالتالي فان التعويل على حل لبناني للبلدة امر مستبد عسكرياً وسياسياً نظراً لتداخل عشرات المخيمات السورية في داخل البلدة مع منازل اللبنانيين الآمنين. ولا تخفي هذه الاوساط ان وضعية البلدة تشبه وضع الرهينة في الطائرة، ولكن الوضعية الجديدة المستجدة هو دخولها على خط الانقسام الدائم بين «داعش» و«النصرة» وامكانية ان يدفع الاهالي الثمن غالياً جراء هذا الصراع الذي سيتعاظم انفجارات واغتيالات وخطف.
ويبدو واضحاً ان ظهور التفجيرات الاخيرة ما هو الا ترجمة واقعية لاهداف «داعش» في السيطرة عليها بشكل نهائي عسكرياً مما يضع السلطة في لبنان في موقع صعب للغاية، فهي من جهة عاجزة عن حل القضية سياسياً نظراً لفقدانها السلطات داخلها، وعسكرياً بفعل وقوع ضحايا كثيرين اذا ما فتحت النار لتحريرها من الارهابيين.
وتقول هذه الاوساط ان المسألة ليست بهذه البساطة بل ان تصميم «داعش» على وضع يده على عرسال بشكل كلي يعني ان التنظيم الاسلامي المتطرف يربط وضعها بوضعيته من الغارات الروسية في الرقة معقله الاساسي وتقدم الجيش السوري من ناحية أخرى، وهذا ما يدفع به الى الامساك بأراض لبنانية لم تقرر روسيا بعد التدخل فيها عسكرياً، وهذا ما تعرفه «داعش» جيداً اذ تعتبر وفق الاوساط نفسها انها قادرة على انشاء امارة مدججة بالسلاح ومحصنة بالمدنيين اللبنانيين والسوريين كورقة لعدم شن غارات، جوية عليها، اي التعويض عن اراض خسرتها في شمالي سوريا.
ولا شك ان اهالي البلدة يشعرون هذه المرة بقلق مغاير عما سبقه من احداث، خصوصاً ان العوامل الجديدة التي دخلت على خط الازمة السورية وضعت هؤلاء في موقف الجاهل لأية تطورات مقبلة تطال العائلات والارزاق والارواح، وصولاً الى الرحيل عنها اذا سمحت التنظيمات الارهابية بذلك، ولكن تسارع التطورات يفترض ان تكون قرارات الاهالي موازية لها نظراً لغياب سلطة الدولة بمبادرة تنقذ البلدة من امارة اسلامية سوف تطبق فيها انظمة «داعش» في القتل والسحل وبعيدة عن المفاهيم والتربية التي تسود البلدة، الا ان هذه الاوساط تبدي تخوفها الكبير من ان يكون زحف «داعش» نحو بلدة العطشانة في ريف حمص والتي لا تبعد كثيراً عن الحدود اللبنانية والسيطرة عليها توطئة لرسم خريطة جديدة أكبر من التصوّر اللبناني القائم على اعتبار ان ما يجري مجرد تفجيرات وعمليات قتل، انما المسألة تتخطى كل هذا لتصل الى ان امكانية ربط عرسال ببعض أرياف حمص في المستقبل القريب يعني ان المدينة اللبنانية اصبحت خارج الدولة والاراضي اللبنانية عقارياً وسياسياً وامنياً.
مع العلم ان هكذا سيناريو يحتاج الى حرب مدمرة مع قوات حزب الله في جرود المنطقة وارياف حمص ولكن كل الاهداف المرسومة تبدو واضحة لجهة هذا الربط الذي بالامكان نجاح خطة تحقيقه في الامد المنظور، اما الدولة اللبنانية فتبدو في حالة من يشاهد مسلسلاً تلفزيونياً تتولى فيه دور المشاهد فقط؟!