Clik here to view.

لا تخشى المؤرخة وعالمة السياسة لينا المر نعمة مناقضة المفاهيم الموروثة أو محاربتها. معظم كتبها تزعج. إلا أن آخرها، «فتاوى وكاريكاتور، إستراتيجية التكفيريين» (دار سلفاتور للنشر)، مذهل بسبب المعلومات التي يحتويها، وبسبب صراحة الكاتبة التي لم تتردد في تشريح الشبكات التكفيرية، القديمة منها والحديثة ـــ وهي تدعى اليوم «القاعدة»، و«الإخوان المسلمين»، و«داعش» ـــ ولا سيما في فرنسا.
وتخبرنا لينا المر نعمة بكل وضوح، وبالاستناد على الوثائق، كيف قامت الأسرة المالكة السعودية، إضافة إلى أمراء قطر، لا سيما منهم أميرها السابق، بإنفاق مبالغ طائلة لنشر التكفيرية في كافة أصقاع الأرض. حتى إن الكتاب يتضمن فصلا يروي لقاء لها، لم يكن وديا، مع المفكر الفيلسوف طارق رمضان ضمن إطار محاضرة كان يلقيها في معهد العالم العربي في باريس عام ٢٠٠٩. وتخبر لينا المر نعمة كيف حاولت أن تنال جوابا واضحا من رمضان حول موقف التكفيريين من مسألة اغتصاب السبايا ومضاجعة الفتيات الصغيرات. غير أن الحضور وقف في وجهها، وانحاز إلى المفكر الفيلسوف الذي حاز منصبه في جامعة أوكسفورد العريقة بفضل الهبة السخية التي قدمها أمير قطر للجامعة، على حد قول الكاتبة.
تكتب لينا المر نعمة إذًا بدون مواربة وبدون أي أثر للمجاملة، تتناول في كتابها المواضيع الحساسة، سيما منها توسع الإسلام في فرنسا (وهي نفسها تحمل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية) والمصالح المتصلة بذلك. ولا تخشى أن تذكر بأن مجلة «شارلي إبدو» كانت تتكبد الخسائر وكانت على وشك إلإفلاس، عندما قررت أن «تلجأ إلى الطريقة المعتادة» (أي التهجم على الإسلام) لتصبح حديث الساعة وتملأ صناديقها. فهذه المجلة الأسبوعية التي لم تكن تبيع أكثر من ٣٠ ألف نسخة عام ٢٠١٤، رفعت مبيعاتها فجأة «إلى ٧ ملايين نسخة» بعد الهجوم الذي استهدفها في كانون الثاني/يناير ٢٠١٥. وتستعيد لينا المر نعمة أيضًا التظاهرة الكبرى التي نظمتها الدولة الفرنسية تضامنا مع فريق شارلي إبدو بحجة نبذ الإرهاب، ودعي إليها العديد من رؤساء الدول، علما أن بعضهم لا يحترم حقوق الإنسان في بلده. ومن هنا تنطلق الكاتبة لتخبرنا عن رائف بدوي، صاحب الصفحة على الإنترنت. أوقف رائف بدوي، وحُكم عليه بألف جلدة بالسياط لأنه تجرأ على ذكر العلمانية وانتقاد العلماء المسلمين.
ولينا المر نعمة تستعيد أيضا قسماً من المقالات التي نشرها رائف بدوي، لا سيما عندما يؤكد أن «العلاقة بين الدين والدولة غير الأخلاقية في كثير من الأحيان، حيث يصبح معها الدين سياسياً ويتم معه تسييس الدين لخدمة حفنة من هؤلاء الذين يريدون كل شيء على هواهم وضد مفهوم الوطن...» وتسترجع المؤلفة أيضا التظاهرة التي نظمت احتجاجا على رسوم الكاريكاتور التي استهدفت النبي محمد في بيروت في ٥ شباط/فبراير ٢٠٠٦، فتحولت إلى أعمال تخريب في الأشرفية، طاولت رموزا مسيحية، مثل كنيسة مار مارون.
تكثر الأمثلة، لكن المؤلفة تعرضها وتحللها جميعها بدقة سعيا لتبيان الحقيقة، لا لإطلاق الجدالات. فهي لا تشجب الإسلام، بل التكفيريين، وتفضح شبكاتهم البشرية والمالية في العالم الغربي بأسره، مهما كان الاسم الذي اتخذوه، كـ«الإخوان المسلمين»، أو «القاعدة»، أو«داعش»، ومهما اختبأوا وراء قناع الاعتدال والانتماء للغرب. وحتى الدعاة مثل يوسف القرضاوي، فهم يشكلون تهديدا لا على المنطقة فحسب، بل على الغرب أيضا، وقد شاءت الكاتبة أن تشدد على هذا الخطر، بدون توخي أي حذر أو مجاملة. فقول الحقيقة، وإن كانت جارحة، هو بالنسبة إليها بمثابة الواجب الأخلاقي، وهي تقدم الأدلة وتستعين بالتوثيق والتمحيص الدقيقين لتثبت أن إنشاء الدولة الإسلامية ليس سوى حلم قديم لم يمت منذ عهد حسن البنا، وهو آخذ بالتوسع بحسب المفهوم الإسلامي للإخوان المسلمين.
الأوريان لو جور،
٢٧ تشرين الأول/أوكتوبر ٢٠١٥
http://www.lorientlejour.com/article/951505/-fatwas-et-caricatures-de-lina-murr-nehme-le-reve-panislamique.html