سيف عمر الفرا -
منذ اشتعال خطر تنظيم «داعش» في محيط الجزيرة السورية، بدأت المنطقة تشهد تحولات ديموغرافية وتكتلات ضمن رقع جغرافية محددة، والهدف هو الحماية الذاتية.
وظهر سباق باتجاه التسلح من أجل تشكيل ما أصطلح على تسميته بلجان الدفاع الشعبي، خصوصاً أن الهجمات على المنطقة، كما يقول الأهالي، تستهدف إفراغها من مكوناتها، بعيداً عن أهميتها كأرض زراعية خصبة وتتركز فيها أهم حقول النفط.
ومع ارتفاع نسبة المهاجرين إلى أوروبا وأميركا ومختلف دول العالم، وقف الكثير من رجال الدين المسيحي خاصة ووجهاء المجتمع المحلي والشباب المؤمنين بقضية الوجود في وجه طغيان هذه الظاهرة على المجتمع في محافظة الحسكة، وهو ما دعاهم إلى تشكيل قوات حماية شعبية للدفاع عن أحيائهم وقراهم، تحولت في ما بعد إلى قوات عسكرية منظمة، قوامها التشكيلات المقاتلة التي اتبعت مدرسة الدمج بين الحروب التقليدية وحروب العصابات، استناداً إلى العقيدة والثقافة والمقاومة والإنتماء، وهي التي تصدر عادةً إلى وسائل الإعلام تحت اسم القوى الوطنية المؤازرة للجيش السوري من دون ذكر من هي القوى الوطنية.
ومن هذه القوى الفصيل المسلح الذي يحمي مناطق المسيحيين بشكل عام، والسريان خصوصاً في الحسكة وريفها، ويسمى «بمكتب الحماية – السوتورو» الذي أصبح مسيحيو الجزيرة السورية يعتبرونه جبهة الدفاع عن وجودهم، في ظل إيمان مختلف شرائح الشارع المسيحي بوجود مخطط لتهجير مسيحيي المشرق بشكل عام، وإفراغ منطقة الجزيرة على وجه الخصوص من مكوناتها القديمة قدم التاريخ في الوجود السوري.
ولا يمكن لمن يتحرك ضمن أحياء المسيحيين في القامشلي ألا ان يشاهد عناصر «السوتورو» على كل زاوية ومفرق، وضمن دوريات مؤللة ترفع العلم السوري وعلم «السوتورو». ولا يمكن أن ترى دورية أو مجموعة مشاة من دون أن ترى العلمين لا ينفصلان عن بعضهما.
لكن عتاد ولباس هؤلاء الذين يحرسون أحياء القامشلي يختلف عن مقاتلي «السوتورو» الذين ينتشرون على جبهات القتال في الحسكة. هؤلاء أشبه بعناصر قوى الأمن الداخلي يقول أحد المارة، مضيفاً «عناصر السوتورو يدرجون في هذا التنظيم إما على شكل قوى حفظ نظام وأمن داخلي ضمن الأحياء في القامشلي وإما ضمن تشكيل عسكري مقاتل تحت اسم قوات حماية الجزيرة».
وبدأ في الآونة الأخيرة تنظيم «مكتب الحماية ـ السوتورو» يأخذ حيزاً أوسع في التواجد على الأرض في معارك الحسكة، مع ازدياد عدد عناصره الذين يتميزون بالتدريب النوعي والعتاد المميز، والقيادة التي لا توجد فيها درجات وطبقات معقدة، فالكل يعمل كفريق وكعائلة كما يقول رئيس «مكتب الحماية» سرجون.
ويضيف «السوتورو ولد من رحم الفراغ الذي وجد في المنطقة نتيجة غياب الدولة وانتشار الجيش على جبهات واسعة. في ذلك الوقت الكل أخذ مكانه في الدفاع عن أرضه. الأكراد نظموا أنفسهم والعشائر العربية أيضاً نظمت نفسها، ونحن كسريان نظمنا أنفسنا في السوتورو بهدف الدفاع عن وجودنا».
وتابع سرجون «ليس لدينا أي هدف إنفصالي أو مشروع آخر غير الدفاع. نحن نعمل تحت راية علم الجمهورية العربية السورية والجيش السوري وكقوة رديفة له، وبتنسيق كامل مع الدولة السورية. عناصرنا هم الشباب السريان الذين يؤمنون بفكر المقاومة إلى الحد الذي جعل الكثير منهم يتركون جامعاتهم وأعمالهم، ويلغون من حسابهم فكرة الهجرة التي أصبحت حلم الكثير من الشباب ليلتحقوا بصفوفنا. وبين مقاتلينا هناك الطبيب والمهندس والمحامي والتاجر والفلاح والصناعي. هم يدركون أن المخطط الذي ينفذه داعش يهدف إلى إفراغ هذه المنطقة من مكوناتها الأصلية، كالأشوريين والكلدان والسريان».
ويتألف «مكتب الحماية – السوتورو» من ثلاثة مراكز رئيسية: مكتب «السوتورو» الرئيسي في القامشلي، وأكاديمية أغا بطرس لإعداد المقاتلين في القامشلي أيضاً، ومركز «قوات حماية الجزيرة» في الحسكة. ويهتم مكتب «السوتورو» بتنظيم الشأن الإداري وحفظ النظام والأمن الداخلي، والأكاديمية والشأن التدريبي، ولمركز قوات حماية الجزيرة شأن العمليات العسكرية.
وفي ساحة أكاديمية أغا بطرس في مدينة القامشلي ينهي متطوعون جدد تدريباتهم الأخيرة في الدورات المكثفة على الأسلحة والتكتيكات العسكرية.
يتحدث داني، مدير الأكاديمية عن طبيعة التدريبات التي يتلقاها المتطوعون وكيفية الفرز. ويقول «نحن في الأكاديمية نهيئ المقاتلين من ناحية القيم والأخلاق والتربية، والأكاديمية هي المدرسة التي يجب أن يتعلم فيها المقاتل كل تفاصيل تحركاته في المعركة وكل ما سيواجهه على الأرض. كافة المقاتلين يتدربون على كل تدريبات القتال وعلى كل أنواع الأسلحة ومن ثم يتم التخصص باتجاه قتالي محدد، لكن كل العناصر يمكن أن يكونوا في صفوف لجان الحماية وحفظ النظام ضمن أحياء المدينة، ويمكن ان يكونوا في صفوف التشكيل العسكري قوات حماية الجزيرة». ويضيف «نحن نسعى لتخريج المقاتل الشامل، وطالما العقيدة القتالية موجودة والمقاتل مهيأ لكافة ظروف المعارك سيكون له تأثيره وسيؤدي واجباته بشكل ممتاز، في أي مكان وأي ظرف».
وعلى رغم من أن المعارك مع «داعش» انتهت في مدينة الحسكة إلا أنها لم تنتهِ في الريف بعد، ومع ذلك فإن أعداد المتطوعين تزداد يومياً، بدعم مادي كبير من المغتربين السريان، ومعنوي من كهنة ومطارنة الطائفة السريانية.
واللافت هو الحاضنة الشعبية الواسعة لـ «السوتورو». فعلى باب المركز العام يقف رجل مسن من أهالي المنطقة بصحبة إبنه المتطوع. ويقول «السوتورو أمل السريان في الحفاظ على أرضهم. نحن ندفع بأولادنا للالتحاق بصفوفه. صحيح أنه في المهجر سيعيشون بأمان، لكن إن لم يدافعوا عن أرضهم لن يكون لهم عيش كريم في الخارج. رفض المذلة يعني القتال والدفاع عن الأرض».