د - إدكار طرابلسي
اجتذبني، مذ كنت على مقاعد الدراسة، البحث في القاموس وفي المنجد. وأشعرني الابحار في اكتشاف الكلمات والمعاني بمتعة حقيقيّة وسّعت آفاقي الفكريّة شأنها في ذلك شأن أيّ كتاب آخر. ثم انتقلت، وأنا في الجامعة، إلى مطالعة القواميس المتخصّصة في اللاهوت والفلسفة والسياسة. وما زلت أرجع إلى هذه القواميس بين وقت وآخر. أمّا اكتشافي الجديد فكلمة "كاكيستوكراسي" Kakistocracy. أمعقول أنّي لم أعرفها قبل الآن، وأنا أعاينها في كلّ يوم؟ وهي تعني: "حكم أسوأ الرجال، أو أقلّهم كفاءة وتجرّدًا ومبدئيّة". عظيم ذاك الأديب الساخر الذي اخترع هذه الكلمة. الأعظم هو أنّه امتلك الجرأة على توصيف هؤلاء الحكّام وأسلوبهم في الحكم.
ما الذي عمله هؤلاء ليستحقّوا هذا اللقب أو ليؤسّسوا لهذا النهج؟ ببساطة لم يفعلوا شيئًا سوى أنّهم تميّزوا بعدم الأهليّة وبالضعف والكسل والمماطلة وسوء الإدارة وقلّة الإنتاج والفشل وامتهان الفساد والأنانيّة والوجاهة والتعطيل والكيديّة واستبعاد الناجحين والقادرين والمحترمين والاستهتار بسلطة الشعب وبمصالحه والتواطؤ عليه. أين نجد هؤلاء الحكّام والسياسيّين؟ نجدهم في كلّ بلدان العالم بنِسب متنوعة. أمّا في لبنان، وفي أشباهه من الدول، فهم أبطال السياسة والشاشات والمجتمعات ومؤسّسات الحكم. وما الذي يجعل سياسيّو الكاكيستوكراسيا يصِلون إلى كراسيهم ويبقون فيها؟ إنّه الشعب الذي ارتضى توليتهم عليه.
وفيما العالم يدخل عصر الكاكيستوكراسيا، ينصح بعض علماء الاجتماع والتربية في الغرب بتعليم الاولاد هذه الكلمة علّه يتولّد منهم قادة أكفياء. وإلاّ، فيا لتعاسة الأجيال المقبلة!