في التاريخ، صفحات قليلة تُكْتَبُ للمجد، وتعطي الحياة قيمتها و معناها وقداستها، فتُعطّرُ العمرَ بطولةً، شهامةً، وفروسيةً ؛ أمَّا الصفحات الصفراء الكثيرة ، فتتكدس مجلدات تختزنها زوايا الاقبية والمكتبات، وتناديك رائحة العفن المنبعثة منها ، وتصمُّ آذانك ضوضاء اللعنات المستدامة التي تلاحقها، ما دام في الكرامة نبضٌ.
الاضداد والمتناقضات، لا تلتقي وهي وإن إلتقت بين غلافين تبقى نقيضين، والبطل يبقى بطلاً ولو إلتقى دونياً، فذاك آتٍ من فوق، وهذا خارج من تحت، والمستنقع يبقى مستنقعاً وإن أبصر ضوء النهار، والجنَّةُ تبقى جنةً وإن حُجِبَ عنها الضوء.
فأي تاريخ يَكتبُه حكَّامُ لبنان، وبعضُ الذين جاءت بهم الصدفَة الى السياسة، وقد دنسوا أقداسها ؟!
بالامس، إنتصف تشرين، فترجَّل البطلُ، وتداعَتِ الكرامةُ الى ساحة الكرامة، فكان عرسُ الوفاء يزفُّ بطلاً كَلَّلتْ هامتَه أكاليلُ الغارِ والتضحية والوفاء.
عرسٌ أجمل ما فيه أنَّ العروس مدعو الى عرسه، والمدعوين هم أصحاب الدعوة، عرس بطولةٍ ينضح طهراً وشرفاً، فلا عربدة فيه ولا فجور، بل كِبَرٌ وخشوع يزفَّانِ كبيراً من لبنان !
هناك في ساحة الشهداء، إعتلى البطلُ منصةَ الشرفِ شامخاً عزةً وإباءً، فتحدَّثَ الى مكرَّميه لغةً لا يفهمها الا من عَشِقَ النضالَ، وتعمَّدَ بتربةِ الوطن، أو خشع وتزهَّدَ في معابده.
بالامس يوم كانت الكلمة قيل لبطرس أنت الصخرة، و اليوم قال الشعب لشامل أنت روكز ( الصخرة)، وعلى هذه الصخرة يتكىء الوطن، كما إتكأ من قبلُ على كوكبةِ أبطالٍ أعدوا خمير مواطنية صالحة، نفتقدها ونشتاق اليها شوق الجفاف لقطرات السماء.
شامل روكز، بالامس ضَنَّ عليك أغبياءُ السلطة بترقيةٍ، ظناً منهم أنهم ينهون مسيرة نضال مشعة، أو يكسرون سيف الحق، و يحطمون حلم التحرر، ويضيقون طوق العبودية، ويستبيحون ألارض وخيراتها للفاسدين.
مساكين هؤلاء، لانهم لا يعرفون ماذا يفعلون، وهم لو عرفوا، لمَا منعوا ترقيةً عن بطلٍ ربيب الشهادة هو، عايشها و تحداها طيلة سنوات نضاله.
شامل روكز، هؤلاء وإن أقفلوا باب القيادة أمامك، لكنهم لم يدركوا أنهم شرَّعوا كلَّ أبواب الوطن لفروسيتك وشجاعتك .
هؤلاء، بغبائهم وأحقادهم، ظنوا أنهم يغتالون " مدْلِج " على البوابة، وهم لو يعلمون أنَّ " لمدلج" ذريَّةٌ مباركة تتكاثرُ بعدد رمال البحر، ستحرر " جبال الصوان" ، مهما طال الزمن، لما تجرَّؤوا، لانَّ الحقيقة وحدها ستنتصر!
هؤلاء بغبائهم، وبسقوطهم، عند حصون الكرامة، وأمام مَنْ شقَّ بعصاه بحر الفساد، يناورون كالصبية يخبِّؤون عيونهم باطراف الاصابع، علَّهم يتخلصون من كوابيس تلاحقهم في صور القائد، وفي ظنهم أنهم يتخلصون من عقدة عون، إنْ هم إستطاعوا كسره بالواسطة، بعد أن عجزوا و معهم العالم، عن كسره بالمباشر.
هؤلاء إعتقدوا، أنَّه بضرب روكز، يضربون عصافير كثيرة، من جهة ينهون سيرة بطل، عطَّلت مشاريعهم وأفشلت مخططاتهم ، فيقفلون ابواب الرئاسة، بعد أن أقفلوا أبواب القيادة، وهكذا يكسرون ميشال عون، ويسقطون حلم الاصلاح، فيتداعى التيار الوطني الحر، وتضيع السيادة، والحرية ، والاستقلال ، وينعى الوطن .
هؤلاء لو أدركوا أنهم بغبائهم يقدَّمون خدمة كبيرة، ويبعثون في النفوس العطشى يقظة وطنية إستثنائية، لما أقدموا على معصيتهم؛ ولانهم فعلوا ، فألف شكر وشكر ، وقد أثبتوا مرة جديدة، أنَّ الفاشلين ، والحاقدين، والانتهازيين، هم أيضاً يعلِّمون النجاحَ، والاستقامة، والشهامةَ والمحبةَ، والعصاميَّةَ، والكبر؟!
حنا الحاج