ندوة حول خطابات قداسة البابا فرنسيس في الولايات المتحدة الأميركية وجمعية الأمم المتحدة
عقدت ظهر اليوم الخميس ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام حول " خطابات قداسة البابا فرنسيس في الولايات المتحدة الأميركية وجمعية الأمم المتحدة" أثناء زيارته الرسولية، شارك فيها رئيس أساقفة بيروت للموارنة ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، أمين عام لجنة الحوار الإسلامي المسيحي الدكتور محمد السمّاك، والدكتور داوود الصايغ، وحضور المسؤول عن الفرع البصري والسمعي في المركز الأب سامي بو شلهوب ولفيف من الكهنة والإعلاميين والمهتمين.
أبو كسم
بداية رحب الخوري عبده أبو كسم بالحضور وقال: "إننا اخترنا اليوم موضوعاً لهذه الندوة "خطابات قداسة البابا فرنسيس في الأمم المتحدة، وفي زيارته الرسولية إلى الولايات المتحدة الأميركية"، وقد أخترنا أيضاً، أن يتكلم سيادة المطران بولس مطر ليقدّم ما جاء على لسان قداسته في هذه الخطابات كراعٍ وأسقف يتكلم باسم الكنيسة على الصعيد الإعلامي في لبنان، ورأينا أيضاً أن نسمع قراءةً من الجانب الإسلامي لهذه الخطابات، فالدكتور محمد السمّك معروف بقراءته الموضوعية لهذه الأحداث، واخترنا أيضا الدكتور داوود الصايغ ليتكلم على شخصية البابا فرنسيس الذي أحدث ثورة في الكنيسة بتواضعه وقربه من المستضعفين الفقراء من خلال عيشه لهذه الفضائل."
وختم قائلاً: "نصلي من أجل قداسة البابا فرنسيس ليظل على رأس الكنيسة صوتاً صارخاً ينادي بالحق ويشهد للحقيقة".
المطران مطر
ثم كانت مداخلة المطران بولس مطر جاء فيها: "لقد زار قداسة البابا فرنسيس الولايات المتحدة كإبن لعائلة مهاجرة من ايطاليا إلى أميركا الجنوبية هربًا من الفقر وسعيًا لحياة كريمة لأولادها. وهذا ما قاله شخصيًّا أثناء زيارته. فكان من الضروري له أن يشكر الله على البلدان الأمريكية التي أعطت للملايين من البشر فرصًا أفضل للحياة. وكان من الضروري أيضًا أن يقول الحقيقة في عالم يتطور من جهةٍ ويغوص في المصاعب والمآسي من جهة أخرى."
أضاف "أمّا الخطاب الأوّل الذي يستوقفنا بين خطابات قداسته أثناء هذه الزيارة فهو خطابه في الأمم المتحدة في مناسبة مرور سبعين عامًا على تأسيسها. يذكر قداسته أوّلاً أنّها المرّة الخامسة التي يدعى فيها بابا روما للتحدّث في هذا الجمع الكبير، وذلك بعد البابا بولس السادس والبابا يوحنا بولس الثاني الذي تحدث فيها مرتين والبابا السابق بندكتس السادس عشر."
وقال "يبدأ قداسته في المناسبة بالشكر على هذه الدعوة ويهنّئ الأمم المتحدة على ما تسنى لها تحقيقه في كل هذه الحقبة من الزمن بعد تأسيسها. فهي طوّرت القانون الدولي ووضعت الشرعة المعروفة لحقوق الإنسان وتدخلت بنزاعات عديدة أوقفت الكثير منها وحاولت العمل من أجل إعادة السلام، ومن أجل حفظه في أكثر من دولة كما ذكر قداسته كلّ الذين دفعوا حياتهم في سبيل هذه المنظمة ومنهم شهداء على غرار الاسم المعروف للسيد داغ همارشولد."
تابع "بعد ذلك ينتقل قداسته إلى ما يجب أن تعمله هذه المنظمة أكثر وأكثر. فمن الضروري أن تسهر على أن تزداد فرص المشاركة للدول في عملها. وهذا ما يتحقق بصورة أفضل إذا ما عرفت الدول الفقيرة مزيدًا من النموّ. وفي المناسبة حذّر البابا من سياسة القروض لهذه الدول، لأنها قروض تنهكها إذا ما عجزت عن النمو وتغرقها بالديون بصورة خانقة. إلاّ أن ما يؤمن المزيد من المشاركة فهو الحد من تسلط الكبار على الصغار. فالسلطة في المجتمع المحلي والدولي ليست مطلقة لأي إنسان. وحده الله هو رب السلطة أما نحن فإننا محكومون بإخوّتنا وإلاّ فإنها ستخرب الأخوّة ونحن بدورنا نخرّب بعضنا بعضًا."
أردف "هنا يعود قداسته إلى رسالته الأخيرة عن البيئة مؤكّدًا أنّ للبيئة حقًّا علينا جميعًا. وكلّ أذىً يلحق بالبيئة على أيدينا إنّما هو أذى يلحق مباشرة أو غير مباشرة بكل شخص منّا ومن الآخرين. وكما نحترم البيئة لأننا جزء منها هكذا علينا أن نحترم أيضا بعضنا بعضًا ونحترم حقوق كل إنسان منّا ومن غيرنا. فيقول البابا أن الناس هم أكبر من البرامج والتنظيمات لا بل هم فوق كل هذه الأمور. لأن الإنسان غاية والباقي وسيلة. ولا يجب أن نقبل تهميش الإنسان أمام الآلة التي تحل مكانه في العمل. فيضع البابا نصب العيون ضرورة تأمين عمل لكل إنسان صونًا لكرامته وتأمين منزل يأوي إليه وتأمين وطن يشعر فيه أن حياته بمأمن وأنه يحياها ضمن محبة الآخرين له."
أضاف "وصولاً إلى هذه الأهداف النبيلة، ينبّه البابا إلى ضرورة أنسنة الاقتصاد فالاقتصاد ليس مبنيًّا على الربح المفرط لأهله بل على التضامن بين الجميع لتأمين الخير العام والحياة الكريمة لكل إنسان. إن دكتاتورية الربح للربح من قبل المقتدرين في العالم تكبل العالم بسلاسل الفقر والذلّ والاستعباد. ولا مناص من التخلي عن السيطرة القصوى لأي إنسان على العالم. فالسلطة يقول البابا هي لله الخالق وليس للمخلوق. وكل استئثار بها من قبل أي إنسان هو مشروع حرب من الآخرين عليه ومشروع تهميش وإفقار للعديد من البشر الذين سيكتوون بنار العبودية."
تابع "أمّا إذا حلّت مصيبة يقول البابا بين شعب وشعب فلا بد من العمل على وقف الحرب بين المتحاربين والذهاب إلى الحوار من أجل حل النزاعات القائمة في ما بينهم. هنا يذكّر البابا بالمبادئ الأساسية للأمم المتحدة التي يجب أن تبقى ماثلة في أذهاننا وأمام عيوننا. هذه المبادئ هي السلام، والحلول السلمية في العلاقات الدولية، واحترام حقوق الإنسان والشعوب."
تابع "وفي الختام يتحدث البابا عن اضطهاد المسيحيين ومعهم بعض الاتنيات الدينية في العالم. لقد صار هذا الاضطهاد خطرًا داهما على هؤلاء الناس. وفي هذا السياق يقول البابا أن الخطر عليهم لا يأتي فقط من السلاح بل هو يكمن في القلوب غير الصافية وفي العقول غير الواعية. لذلك فإن الحضارة أمر جوهري وأنّ تطويرها عمل يجب التنبه له بكل دقة. فارتكاز الحضارة يقول البابا يجب أن يكون على الأسس الروحية وليس على قدرات القوة. ثم يختم خطابه بقوله أن الحضارة الإنسانية لا قيمة لها ولا تحقيق لها إلا بإنسانية الحضارة وأن المحبة هي اللغة الأولى والأخيرة للإنسانية ذاتها."
وقال "أمّا الخطاب الثاني الذي يستوقفنا لقداسته فهو الذي ألقاه في الكونغرس الأميركي في واشنطن أمام المجلسين المجتمعين معًا، مجلس النواب ومجلس الشيوخ. يقول البابا في بداية كلامه أمامهم جميعًا: "أني هنا في أرض الأحرار ووطن الشجعان". وكأنه يسلّط الضوء لا على القوة الأمريكية ولا على الغنى الأميركي بل على قيمتين أسّستا هذا الوطن وهما قيمة الحرية، وقيمة الشجاعة بالذات. فقداسته يدعو مستمعيه للتمسك بهذه القيم التي صنعت بلدهم فلا يهملوها أو يتنكروا لها. ثم أضاف قائلاً، إنكم أيها الممثلون للأمة الأمريكية مسؤولون عن الخير العام لهذا البلد. وهذا هو معنى عملكم بالذات."
تابع "بعد ذلك تحدث البابا عن الشعب الأميركي النبيل، ومنه الشباب العامل من اجل المستقبل. ومنه المسنون الذين يمثلون الحكمة الناتجة من تجربة الحياة. وأضاف إن كل هذه الفئات تمثل مسارًا لشعب بنى نفسه وصقل هويته بفعل العظماء الذين ألهموه في تاريخه. وقد سمى من بين هؤلاء العظماء: ابراهام لينكولن، ومرتان لوثركينغ ودورتي داي وتوماس مرتون."
أردف "ذكّر البابا أولا بالرئيس لينكولن الذي يصادف هذا العام الذكرى الخمسين بعد المئة لاغتياله لقد كان هذا الرجل رجل الحرية وتجديد هذه الحرية في بلاده بفضل تحرير السود من العبوديّة، والشخصية الثانية التي ذكرها البابا في خطابه فهي شخصية القسيس الأسود مرتن لوثر كينغ الذي دعا بعد ذلك إلى تأمين الحقوق المتساوية بين البيض والسود في بلاده. ثم يعرض البابا صورة مشرقة عن نضال الشخصية الأمريكية الثالثة وهي السيدة دوروتي داي التي أسست حركة العمال الكاثوليكية. لقد استوحت هذه المناضلة الاجتماعية رسالتها من الإنجيل المقدس ومآثر القديسين. ويصل إلى الشخصية الأمريكية الرابعة وهي شخصية الراهب البندكتاني توماس مرتون، الذي ما زال بحسب قوله مصدر الهام للكثيرين. لقد كان هذا الرجل رجل حوار بين الجميع وداعيًا للسلام بين الشعوب والأديان. فكان من الضروري أن يذكر البابا هذا الرجل ليحث الأميركيين على التضامن مع غيرهم من الشعوب لانهم قد يفكرون بأنهم ليسوا بحاجة لأحد لعظمة بلادهم واكتفائها الذاتي. لكن الإنسانية واحدة والتلاقي بين الشعوب رسالة أخوة وتفاهم وسلام.:"
وختم بالقول "يختتم البابا كلامه بالحديث عن العائلة ومشاكلها في عالم اليوم فيقول أنه خائف على الأسرة لأن مجتمع اليوم يهدم مقوماتها من الاساس، هدمًا فكريًّا وروحيًّا. لذلك نريد من ثقافة اليوم أن تعيد للأسرة مكانتها وقيمها لتستمر الحياة. ولن تبقى أية دولة عظيمة ما لم تخدم الحياة واستمرارها. وينهي البابا خطابه بصوغ النية في أن يبقى باستطاعة أكبر عدد ممكن من الشباب أن يرث وأن يسكن أرضا قد أوحت إلى الكثيرين بأن يحلموا. ودعا الى أن يبارك الرب تلك البلاد, إنّها لغة النداء لإصلاح السيرة بالايجابيات، ولغة الحث على التقدم بفضل قوى النفوس في الداخل، لذلك فهي لغة الرجاء المحيي، والرجاء لا يخيب أصحابه أبدًا."
د. السمّاك
ثم كانت مداخلة د. محمد السمّاك "عندما يصبح الخطاب الديني خطاباً للانسانية" فقال: قبل البابا فرنسيس، اعتلى منبر الأمم المتحدة ثلاثة باباوات، هم بولس السادس، ويوحنا بولس الثاني، وبنديكتوس السادس عشر. غير ان علاقة الفاتيكان بالمنظمة الدولية لم تبدأ من هنا. في 25 كانون الثاني 1959 وجّه البابا يوحنا الثالث والعشرين رسالة الى الأمم المتحدة، كانت تلك الرسالة الأولى من نوعها يوجهها رأس الكنيسة الكاثوليكية الى المنظمة العالمية،وهو الذي دعا الى المجمع الفاتيكاني الثاني الذي نحتفل بذكرى مرور خمسين سنة على انعقاده، والذي تشكل قراراته نقطة تحول في علاقات الكنيسة مع العالم ، أدياناً وعقائد ، بما في ذلك ، وتحديداَ مع اليهودية والاسلام ، ومع الكنائس غير الكاثوليكية ."
تابع "في رسالته تلك ، قال البابا ان السلام على الأرض ، قضية اساسية وجوهرية للانسانية كلها، .في ذلك الخطاب حدد البابا أربعة قواعد قال ان السلام يقوم عليها وهي : الحقيقة، العدل، التضامن والحرية، وقد شكلت رسالته سابقة فتحت الباب أمام سلسلة الزيارات الباباوية والتي كان آخرها زيارةالبابا فرنسيس."
أضاف "وفي قراءتي لخطاب البابا فرنسيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وفي خطابه أمام الكونغرس الأميركي . سوف اتوقف أمام قاعدة العدالة. قال البابا "ان العدالة هي شرط اساسي لتحقيق مثال الأخوة الشاملة . وانه بحسب التعريف التقليدي للعدالة ما من فرد أو مجموعة بشرية يمكن اعتبارها كلية القدرة، ويُسمح لها أن تدوس كرامة وحقوق الاشخاص الآخرين أو المجموعات الاجتماعية .. أي ان العدالة هي الارادة المستمرة والدائمة لاعطاء كل ذي حق حقه."
تابع "وفي رأي البابا ان العمل السياسي والاقتصادي يكون فعّالاً فقط عندما يكون عملاً متعقلاً يقوده مفهوم ثابت للعدالة ، ويأخذ دائماً في الاعتبار ، قبل وضع الخطط والبرامج وبعدها، ان هناك بشراً ، نساءً ورجالاً، يتساوون مع الحكام ، يعيشون ، ويكافحون ، ويعانون، ويجدون أنفسهم مرات كثيرة مجبرين على العيش في فقر محرومين من أي حق."
وقال "القاعدة التي أرساها البابا فرنسيس في هذا الشأن تقول :" ان احترام وتطبيق ميثاق الأمم المتحدة بشفافية وصدق وبدون دوافع خفية ، وكمرجع الزامي للعدالة ، وليس كأداة لإخفاء نوايا غامضة ،يحقق الحصول على النتائج المرجوة بسلام " .
أضاف "وبموجب هذه القاعدة تتقدم العدالة حتى على الإيمان . إذ انه لا يمكن أن يكون هناك إيمان حقيقي مع الظلم .. ولا يمكن ان يتلاقى الظلم والإيمان تحت سقف واحد ، سواء في دولة أو في مجتمع أو في طائفة . ولذلك يبدو لي حديث البابا فرنسيس من العدالة إضاءة وهاجة في ضمير كل مؤمن ، بل كل انسان تُلقى على كاهله مسؤولية ادارة شأن عام ، محلياً كان أو دولياً. لا شك في ان من أسس ومن مقومات العدالة احترام الكرامة البشرية ، كما قال البابا ، والقيام بكل ما هو ممكن من أجل وقف العنف المنهجي ضد الأقليات العرقية والدينية ، من أجل حماية الشعوب البريئة."
أردف "ولم تغب هذه الدعوة الى العدالة في خطاب البابا أمام الكونغرس، فقد استهل هناك خطابه بالدعوة الى ما سماه " التشريعات العادلة " والتشريع العادل يقتضي النظر بعمق وشمولية في وجهي القضية التي هي موضع تشريع. مثل قضية العنف، بما في ذلك العنف الذي يرتكب باسم الدين. فمن جهة أولى ، وكما قال البابا ، "ينبغي علينا أن نتنبه لأي نوع من الأصولية ، أكانت دينية أو من اي نوع آخر. ويجب إيجاد توازن دقيق يسمح بمحاربة العنف الذي يرتكب باسم الدين أو باسم إيديولوجية معينة او نظام اقتصادي ما ، والمحافظة في الوقت عينه على الحرية الدينية والحرية الفكرية والحريات الفردية ".
وقال "حذر البابا من جهة ثانية أمام الكونغرس ، مما سماه " السقوط في خطأ الاختزال والتبسيط الذي لا يرى الا الخير أو الشر، الا الأبرار والخطأة. علماَ بأن العالم المعاصر في جراحه المفتوحة التي تصيب الكثير من أخوتنا واخواننا يتطلب منا أن نواجه جميع أنواع الاستقطاب الذي قد يجرّ الى أي من هاتين الفئتين."
وختم بالقول: " في عام 1959 خاطب البابا يوحنا الثالث والشعرين الأمم المتحدة بمنطق السلام والمحبة لتجاوز الخطر النووي الابادي الذي كان يتهددها، واليوم في عام 2015 يخاطب البابا فرنسيس الأمم المتحدة، والكونغرس الأميركي تحديداً ، بالمنطق ذاته ، منطق السلام والمحبة لمعالجة ما سماه الوضع الاجتماعي والسياسي غير المطمئن الذي جعل من عالمنا اليوم ساحة لصراع عنيف متزايد وحقد وفظائع وحشية تُرتكب باسم الله والدين."
د. الصايغ
ثم اختتمت الندوة بكلمة د. داوود الصايغ:
"أقبل البابا فرنسيس منذ سنتين ونصف السنة فقط على العالم المتغير. قال بعد لحظة إنتخابه : ‹‹لقد جاؤوا بي من أقاصي الأرض، من الأرجنتين… فرفض إرتداء الأزياء الحبرية وبخاصة ذلك الرداء الأرجواني الذي يوضع على كتفي البابا عند إطلالته الأولى على ساحة القديس بطرس وكانت تلك إشارة رمزية أولى، تعبر ليس عن البساطة فقط، بل عن الرؤية : كنيسة فقيرة من أجل الفقراء. ووجد أمامه تركة ليس أقل أوصافها أن البابا المتنحي وجد في لحظة كبر ونبل أن كتفيه قد ناءتا بها."
أضاف "أقبل البابا الجديد على المواضيع المتروكة والمطروحة بأسلوب جديد، حياه العالم كله، ولا يزال كتعبير عن تعطش ليس الى مثل هذا البابا فقط، بل الى مثل هذه الصفات وهذه الرؤية. فأخذت كلماته الجديدة تنتشر بسرعة فكان أول من أدان "اللامبالاة المعولمة" أثناء زيارته الى جزيدة لامبادوزا في تموز 2013 التي يلجأ إليها المهاجرون. وأول من تجرأ وقال، وهو رأس الكنيسة " ‹‹من أنا لأدين المثليين إذا كانوا يسعون صوب المسيح››، في حديثه في الطائرة التي أقلته من البرازيل، كإشارة أكيدة لعدم الإدانة. ثم في إنتقاده لأساقفة المطارات، وللأكليروس الإيطالي في مظاهر البذخ. كل ذلك، في الإشارات والكلمات أعطى للبابوية التي يمثلها صورة جديدة."
تابع "ماذا يمكن للبابا أن يفعل، وهو المرجعية المعنوية الأولى في العالم. البابا هو رأس الكنيسة الكاثوليكية التي تضم أكثر من مليار وثلاثماية مليون نسمة. وسائل عمله هي في الكلمة أولا ً، في الدبلوماسية الهادئة والفاعلة والمجردة. لأن الفاتيكان هو المرجعية الوحيدة في العالم التي تتحرك على أساس القيم وليس على أساس المصالح."
تابع "وهكذا من على المنبر العالمي، قبل أن يقف له الرؤساء والحكـّام مصفقين محيّين، فإنه ضمّن رسالته مواضيع لامست هواجس العالم كله، متحدثا ً عن مفهوم العدالة بأن يعطي كل فرد ما هو له، وعن ضحايا الممارسة السيئة للسطلة، عن البيئة الطبيعية وعالم المهمشين، عن الحدود الأخلاقية للبيئة، معلنا ً ‹‹إن مأساوية كل هذا الوضع من الإقصاء وعدم المساواة، مع تبعاته الواضحة، يقودني مع الشعب المسيحي كله وكثيرين آخرين، إلى إدراك مسؤوليتي الكبيرة أيضًا في هذا الصدد، ولذا أرفع صوتي، مع صوت جميع الذين يتطلّعون إلى حلول عاجلة وفعّالة››. وبعدما توسع في الموضوع البيئي بمختلف جوانبه أدان إنتشار الأسلحة وبخاصة أسلحة الدمار الشامل ولكنه أيد الإتفاق النووي الأخير، داعيا ً الى معالجة الوضع المؤلم في الشرق الأوسط وبخاصة أوضاع المسيحيين فيه، مشيرا ً الى الصراعات العنيفة في أوكرانيا وسوريا والعراق وليبيا والسودان، الى الآفات الكبرى، الى الحرية الدينية، الى الحق في الحياة الكريمة."
أضاف "وكان أول حبر أعظم يقف خطيبا ً أمام الكونغرس الأميركي مستهلا ً كلامه بالقول : ‹‹أنا أيضا ً ابن هذه القارة العظيمة››، ملتقيا ً بذلك مع أكثر الأزمات الراهنة المطروحة وهي قضية المهاجرين أو اللاجئين، متوجها ً الى أعضاء الكونغرس بقوله : ‹‹لا نخاف من الغريب، لأن معظمنا كان غريبا ً في السابق، والكثيرين منكم ينحدر من عائلات مهاجرة››. متحدثا ً عن هذه الأزمة التي لم يواجه العالم مثلها منذ الحرب العالمية الثانية."
تابع "وأمام الكونغرس الأميركي، في المحراب الممثل للديموقراطية ولكن أيضا ً للنظام الحر دعا الى التشارك في الموارد والمواهب، وأن التعاون هو المصدر القوي لمحاربة أنواع العبودية العالمية الجديدة… وإن من واجب السياسة، حتى تكون في خدمة الإنسان، ألا تخضع للإقتصاد والمالية››، داعيا ً الى الإستعمال الصحيح للموارد الطبيعية. ولم ينسَ البابا الإشارة بصورة غير مباشرة الى مسعاه في تطبيع العلاقة بين الولايات المتحدة وكوبا قائلا ً: ‹‹أعترف بالجهود التي بُذِلتْ في الأشهر الأخيرة لمحاولة تخطي خلافات تاريخية مرتبطة بأحداث مؤلمة من الماضي. فمن واجبي أن أبني جسورا ً…››."
وسـأل الصايغ "في الختام ما هي رسالة البابا ؟ لعله إختصرها في حديثه الى الأساقفة الأميركيين بقوله : ‹‹على الراعي أن يكون قريبا ً من رعيته››. لم يكن الكرسي الرسولي يوما ً بعيدا ً. إنه أقبل على قضايا العصر منذ مطلع ستينات القرن الماضي، والبابا القديس يوحنا بولس الثاني طاف العالم كله أكثر من مرة للإقتراب من الرعية.:
وختم بالقول "عالم اليوم في ما يشهده من عنف وحروب وأزمات وآفات وإنحلال قيم، هو بأمس الحاجة الى من يحرك الضمائر. والبابا فرنسيس يفعل ذلك. إنه راع ٍ، حمل عصاه أينما حلّ، رافعا ً صوتا ً ميزته أن يلقى الصدى المطلوب. وهذا هو المطلوب."