الابطال وإن ترجَّلوا لا يسقطون، وإن إستشهدوا لا يموتون. هؤلاء للمجد ولدوا ، للكرامة للحرية، للقداسة، ولدوا ليؤكدوا أنَّ الشهادة في سبيل الحرية حياةٌ، وأن الجبناءَ، وسماسرة الوطن وتجاره، وإن ولدوا فهم أموات، لفظتهم الحياة، ولا هم عند ربهم يرزقون.
13 تشرين 1990 ، وكل تشرين بعده، أكبر من ذكرى، وأعظم من تاريخ ، إنه نارٌ و نورٌ.
نارٌ وإن دمرت بحقدها وغبائها وإجرامها الحجر والبشر، وأثلجت قلوب المرتهنين، المرتزقة الحاجين، الزاحفين المتكسبين على أبواب عنجر وغيرها من أبواب الذلِّ و أولياء النعمة، إلا أنها أكدت أن دماء الشهداء أكبرُ من كل جبَروتٍ، وأعظم من كلِّ قوة لا دينَ لها، لا إيمان، ولا عقل.
شهداء 13 تشرين 1990، وكل تشرين بعده، تطوبكم الاجيال قرابين بطولة وقداسة، يفوح عطرها شرفاً، تضحية، ووفاء. دماؤكم الطاهرةُ عزَّةُ بَذْلٍ وعطاءٍ مجاني، إمتزجتْ بدماء أهلٍ ، وآباءٍ، وأمهاتٍ، وأبناءٍ، وكهنةٍ، وبراعمَ طفولةٍ وزهرها، إفترستهم أخوَّةٌ غادرةٌ، حاقدةٌ، ووحوشٌ لفظتهم الصحارى أشقاء يغتال بعضهم بعضاً، و صوت الله يلاحقهم " قاين قاين ...!"، لكنهم لا يسمعون، لانهم خارج النور يعيشون !
شهداؤنا، أنتم الحق وهم الباطل، أنتم نورُ الحقيقة ،وهم نارُ الحقدِ الحارقة، المدمِّرة. أنتم أثمن ما في ضمير الوطن، وأنصَعُ ما في وجدان الامَّة. شهادتكم، أسقطت سقوط لبنان، فأستحققتم أنتم مجده. شهادتكم، أرَّخت ظاهرة النضال النقي الطاهر، وما بعدها لن يكون أبداً كما كان قبلها.
مجانا أعطيتم، أعطيتم الوطن أغلى ما عندكم، دون حساب، ودون أن تسألوا ماذا أعطاكم الوطن ، أمَّا هم فنهبوا خيراته، وأفرغوا خزائنه، وضربوا قيمه، وهجروا شعبه، وهم مستمرون بفجورهم، وعهرهم، وفسادهم دون أن يرفَّ لهم جفنٌ، ولن يرفَّ.
شهداؤنا بدمائكم رويتم بذار المواطنية، وأسستم لمشروع دولة تصونُ الحقوقَ للجميع، وتفرضُ الواجباتِ على الجميع، وهم مصاصو دماء الوطن والمواطن، ويفاخرون !
13 تشرين 1990 ، ليس يوماً كغيره من الايام، فهو حدٌ فاصلٌ بين من هم من فوق ومن هم من تحت، تماماً كالخط الفاصل بين الجنة والنار. لذلك جعلنا من كل يوم 13 تشرين ، ومن كل سنة 1990، لا لنبكي كالخنساء صخراً، بل لنتعظ ونرفع للمجد صخورَ الشرفِ والعزةِ والوفاء.
هناك علا صوتُ الشرِّ مناصراً المجرمَ " برأبا "، لكنه ظلَّ عاجزاً عن حجب نور الحقيقة، هؤلاء أنفسهم صرخوا راجين جلادكم، إصلبهم، إصلبهم ؟!
شهداؤنا، نخشع أمام طهركم وقداستكم، ونسألكم مغفرة صادقة، فالوطن الذي عشقتم الشهادة من أجل سيادته وحريته واستقلاله، ما زالت كلومه عميقة نازفة، وهو ينتظر سامرياً يضمدها، بعد أن مرَّ به فريسي، كاهن، ولاوي، وعبروا جميعهم دون أن يرفَّ لهم جفنٌ، وعذرهم أنهم لا يفهمون سرَّ الفداء، ولا عظمة المحبةِ، هؤلاء لم يتعلموا من تضحياتكم شيئاً، فكيف يكون ذلك، فهل يبكي الجلادُ ضحيَته ؟!.
جبران خليل جبران،علامة لبنان الكبرى، يقول : " تعلمْتُ الصمتَ من الثرثار، والحكمة من الجاهلِ، والاجتهادَ من الكسولِ، والغريبُ أنني لا أقرُّ بفضل هؤلاء المعلمين". ونحن نسأل هلاّ تعلمنا ممن خانوا وتآمروا، وغدروا، واغتالوا ، ودمَّروا، وقتلوا، وأفسدوا، وانتهكوا المقدسات؟!
لهؤلاء نارُهم وأحقادهم، دينونة لهم ، وأنتم أبطال تشرين 1990، وكل تشرين بعده، لكم كل العزة، وقد جعلتم نارَهُم نوراً لسبيلنا، حتى للذين لا يبصرون.
شهداؤنا، أنتم ذبيحة الفداء التي تعلنُ الخلاصَ والقيامة للبنان ألآتي؛ ونحنُ سنبقى أوفياء لدمائكم الطاهرة، مهما كانت التضحيات كبيرة، ومهما إفترس التنين من عذراوات وضحايا، قسماً باستشهادكم، ستبقى دماؤكم كتابنا في الوطنية، الى أن يتدحرج الحجرُ وتسطعَ نورُ القيامةِ في سماءِ لبنان !
حنا الحاج