ترايسي داني شمعون -
عندما يتم تمويل أي تلفزيون كي يبقي هواؤه مفتوحاً بهدف النقل المباشر للمظاهرات الأخيرة، يكون قد ساهم بشكلٍ غير مقصود بالتقليل من شأن الثورة بوضعها في خانة تليفزيون الواقع. فقد أدى هذا الهواء المفتوح والمتواصل عبر وسائل الإعلام إلى خلق منبر حيث بات بإستطاعة أي كان من نيل بضع ثوانٍ من الشهرة مقدماً كلمة مرتجلة كمتنفس لغضبه الصادق والمحق. لكن ما من شيء دون مقابل؛ فقد كان لكل هذا أثرٌ سلبي فتحولت الثورة الموعودة إلى نشاز وأهداف متعارضة.
كان هذا وصفٌ لما حدث خلال الشهر الفائت. فبدل من ثورة بشعاع الليزر، رأينا مصابيح صغيرة مضاءة هنا وهناك.
على الرغم من كل ذلك، كم من مرةٍ يجب رفع مواضيع القرف والإستياء تلك في وجه آذان صماء؟! الفساد، سوء الإدارة، سوء إستعمال السلطة، سرقة المال العام، إنعدام الشفافية، التمييز، المحسوبيات والزبائنية، كلها شكاوى تتساقط كالشتاء على أرضٍ جافة. في أي وقتٍ من الأوقات، يتم إبتلاع تلك الأصوات ضمن عملية الهضم في النظام اللبناني كما يتم وضعها على الحياد وإستيعابها في عملية التمثيل الغذائي.
في البداية، بدا واضحاً إنزعاج بعض المسؤولين من تلك الأصوات. لكن مع مرور الأيام وتبدل التسونامي الثوري الشعبي ليصبح فقط منبراً للإعتراض المرتجل، إرتاحوا إلى ذلك المنظر وتنفسوا الصعداء وعادوا إلى أماكن راحتهم - قلاعهم المحصنة.
تطورت تلك القلاع على مدى العشرين عاماً المنصرمة متلاعبةً بأجهزة الدولة. لذا، لا يمكن كسر هذا الجدار المحصن من خلال تظاهرات سلمية. وإذا كان العنف غير مطروحاً (علماً بأنه لا يمكن صنع عجة البيض دون كسر البيض)، فما هي خياراتنا من أجل مواصلة الضغط على كارتيلات السلطة لإجبارهم على التغيير؟
الحل الأبسط والأسهل حالياً في لبنان هو إنتخاب رئيس للجمهورية موثوق وذات مصداقية، الشيء الذي من شأنه أن يطلق سلسلة أحداث منها حكومة جديدة، قانون إنتخابي جديد ينتج برلماناً جديداً!
رغم أن موقع رئاسة الجمهورية في الواقع خسر الكثير من صلاحياته التي تشكل ضمانةً وليس إمتيازاً، لكنه برهن عن أهميته وقوته في فراغه. انها الآلية الوحيدة التي ما زالت لها نقاط تأثير ويجب الإستفادة منها محلياً ودولياً من أجل كسر الجمود؛ وإلا سنشهد استدامة المنظومة الحالية المغلقة والممددة لنفسها وغير المتأثرة بالظروف الداخلية والخارجية والمغلفة بإستبداد السلطة الحاكمة.
↧
إزدواجية الديمقراطية وظاهرة المنابر (ترايسي شمعون)
↧