هتاف دهام -
لم يعد أمام رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلا اختلاق المعارك مع طواحين الهواء والمزايدة على رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت في التهجم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في محاولة استرضائية للرياض أولاً، والإبقاء على العصب المذهبي ثانياً، نتيجة انحسار شعبيته وما رافق ذلك من اهتزازات داخلية في التيار الأزرق بعد أن أقصى نفسه إلى المملكة السعودية وابتعد عن مؤيديه وعن همومهم المعيشية والاقتصادية ما إن خرج من الحكم.
نطق الحريري يوم الجمعة سعودياً. لم يكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ينهي مقابلته التلفزيونية عبر قناة «المنار»، والتي استمرّت لأكثر من ثلاث ساعات فنّد فيها الوضع الداخلي والسوري والاقليمي، واستهلها بالتعزية بالضحايا الذين قضوا في «منى»، محمّلاً السعودية المسؤولية الكاملة عن الحادثة كونها تدير مناسك الحج وترفض مشاركتها بذلك، حتى خرج «الشيخ» في بيان محاك في شكل دقيق من قبل مستشارَيه الوزير السابق باسم السبع وهاني حمود، منصّباً نفسه الوكيل الشرعي عن الأمراء السعوديين، في محاولة للتوظيف السياسي، من دون أن يلتفت إلى أنّ عدد ضحايا الحج في مكة تجاوز الألف من الضحايا الإيرانيين والمغاربة والأفارقة والأتراك والماليزيين.
في المبدأ، تقتضي مصلحة الحريري أن يسارع إلى الردّ على السيد نصر الله ليستمرّ في تثبيت معادلة عند الإعلام اللبناني والطبقة السياسية أنه هو الذي يمثل الندّ له، وهذه الندّية بغضّ النظر عن صدقيتها على أرض الواقع، فهي تمثل الآن آخر المشروعيات المتبقية لزعامة الحريري على رأس طائفته.
حينما يسارع رئيس التيار الأزرق إلى الردّ على الأمين العام لحزب الله فهو يريد أولاً أن يثبت أهليته ليكون في موقع الندّ، وأن يؤكد أحقيته امتلاك ردّ الفعل على الفعل لا سيما أنّ الوحيد الذي يحاول أن ينافسه في الردّ هو رئيس حزب القوات سمير جعجع، فضلاً عن أنه يعيش وضعاً داخلياً صعباً جداً يفتقر فيه إلى روح المبادرة وهو غير موجود على صعيد الموقف السياسي في البلد، ويدرك جيداً أن ليس هناك أفضل من الردّ ليذكر المواطنين بزعامته وأنه موجود وصاحب «موقف».
يريد الحريري المأزوم في العلاقة مع الأسرة السعودية المالكة أن يتصيّد أي فرصة ليقدّم نفسه جاهداً بموقع المدافع عن المملكة من خلال الردّ بموضوع الحجاج والتصويب على ايران، خصوصاً أنّ العلاقة مع البلاط الملكي ليست على ما يرام ومع ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف وولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، أو على الأقلّ ليست كما كانت في السابق في عهد الملك عبدالله.
تقصّد الحريري أن يبدأ بيانه من الداخل السعودي وليس من الداخل اللبناني المحلي، لأنّ من شأن ذلك أن يظهره بمظهر الجدير بأن يبقى على رأس المعتمدين في لبنان، بعدما أصبح اعتماده الوحيد المطلق في غياهب الأحلام.
في التفصيل اللبناني يردّد الحريري المعزوفة نفسها سواء في قضية الزبداني أو الرئاسة الأولى أو الوجود الإيراني في سورية، وحاول تبيان أنّ السيد نصر الله تقدّم على الرئيس الأسد في شرح وتفسير الاندفاعة الروسية في سورية.
باتت المدرسة الإعلامية لـ«المستقبل» معروفة المداخل التي يستخدمها لمقاربة خطابات السيد نصرالله التي تعتمد حَرفَ الفكرة عن أبعادها الحقيقية وأخذها إلى أبعاد ثانوية.
والأكيد أن لا وجود في هذه اللحظة لأجندة حريرية حقيقية للواقع المأزوم السياسي في البلد. لا قدرة للرجل الأزرق على وقف التداعي في شعبية تياره ووقف التفلت الحاصل في الضوابط بين القيادة والجمهور، والأجندة الوحيدة التي يحتكرها الحريري الآن هي الدفاع عن السلطة بشخص الرئيس تمام سلام.
لقد طلب الحريري بحسب مصادر في «المستقبل» موعداً من المعنيين السعوديين لحلّ أزمته المالية، ولا يزال منتظراً أن يفرج المعنيون في الشأن المالي والسياسي عن القرار بإخراجه من ورطته، خصوصاً أنّ المؤسسات الزرق كلها تجاوزت العطش المالي إلى الاقتراب من التصحّر، ويبدو أنه لا يوجد أفق منظور لحلّ سحري لهذه القضية، فمكرمة الـ260 مليون دولار لا تتعدّى الترياق الموعود. وتقول المصادر أنّ مصير «سعودي أوجيه» مجهول وأنّ هناك ضغطاً من ولي ولي العهد بضمّها الى مملكته شركة «نسما» العائدة له بعد إحالة كل مشاريع شركة بن لادن إلى «نسما» واستحواذه على شركة «أرامكو» النفطية وصفقات السلاح…!