كبريال مراد -
يشبّه رجل حكيم ما اتفق عليه في الدستور اللبناني لناحية قانون الانتخاب بالعقد الموقّع بين شخصين، اتفقا على الشراكة الكاملة في ما بينهما. فمرت الأيام ليكتشف احدهما أن الآخر لا يحترم توقيعه، بل يعمل على اخذ ما ليس له بقوة الجيران حيناً، وبالتلاعب على مضمون الاتفاق احياناً.
فجاء الحرص على استمرار الشراكة الى من اخلّ بها قائلاً : " يا اخي، لقد اتفقنا على العمل معاً، ونظّمنا هذه العلاقة بعقد شراكة يشكّل المساس بأي بند منه مساً بالعقد بأكمله. لذلك، علينا العودة الى الأساس، وتصحيح الخلل الناجم عن الممارسة، لنستمر معاً، ونعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
يشبه هذا المثل ما يحصل على الصعيد المؤسساتي في لبنان. فعقد الشراكة والمناصفة الذي وقع في ما بين اللبنانيين ضمن ميثاق العيش المشترك ودستور الطائف لم يحترم. والمساواة المحددة في النصوص، تنتهك بالممارسة منذ سنوات، مع ما ترتب عنها من خلل وخضات وغبن وتهميش. فبات لكل شيء سعره، ولا حسيب ولا رقيب.
فاللعب على الدستور افرز تمثيلاً غير سليم إن في المجلس النيابي او الحكومة ورئاسة الجمهورية، وأعطى غطاء لكل الخلل الذي شهدناه على مدى 25 عاماً، ما ولّد لا استقراراً مؤسساتياً وخروجاً عن القوانين، أدى الى ما أدى اليه من هجرة وهدر وفساد ولا محاسبة. فبات حاميها حراميها، وانعدمت الرقابة، واستمر الانحدار.
عشية الذكرى ال25 للسريان الفعلي للطائف الذي فرض عسكرياً، وجنّز اكثر من مرة بالممارسة الخاطئة، والهيمنة السياسية والمالية وسواها، لا بد من وقفة مصارحة للمصالحة مع الدستور والقانون. فإذا كان اللبنانيون حريصين على استمرار مفاعيل عقد العيش المشترك المتساوي في الحقوق والواجبات، فعليهم أن يعودوا الى الأساس، متخلين عن كل خروج عنه، فيأخذ كل ذي حق حقّه، من دون ان يمد اليد على ما ليس له.
بعد ربع قرن على الطائف، حان الوقت للقول إن الحقوق ليس مادة للبيع والشراء والتنازل والمبادلة. حان الوقت لاعادة سفينة الحكم الى وجهتها الصحيحة، فلا تبقى تبحر نحو المجهول، تتقاذفها الأمواج من كل حدب وصوب، فتضعضعها وتحوّلها الى هيكل بال.